سورة النجم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}
{وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السماوات لاَ تُغْنِى *شفاعتهم شَيْئًا} وإقناطهم عما طمعوا به من شفاعة الملائكة عليهم السلام موجب لإقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الأولوية {وَكَمْ} خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء، والخير الجملة المنفية، وجمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك باعتبار المعنى أي وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم عند الله تعالى شيئًا من الإغناء في وقت من الأوقات {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} لهم في الشفاعة.
{لِمَن يَشَاء} أن يشفعوا له {ويرضى} ويراه سبحانه أهلًا للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان، وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم من إذن الله تعالى عزل. وعنه بألف ألف منزل، وجوز أن يكون المراد إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة بالشفاعة ويراه عز وجل أهلًا لها، وأيًا مّا كان فالمعنى على أنه إذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام، والكلام قيل من باب:
على لاحب لا يهتدى بمناره ***
فحاصله لا شفاعة لهم ولا غناء بدون أن يأذن الله سبحانه الخ، وقيل: هو وارد على سبيل الفرض فلا يخالف قوله تعالى: {مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقرأ زيد بن علي شفاعته بإفراد الشفاعة والضمير، وابن مقسم شفاعاتهم بجمعهما وهو اختيار صاحب الكامل أبي القاسم الهذلي، وأفردت الشفاعة في قراءة الجمهور قال أبو حيان: لأنها مصدر ولأنهم لو شفع جميعهم لواحد لم تغن شفاعتهم عنه شيئًا.


{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)}
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} وا فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي {لَيُسَمُّونَ الملائكة} المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق {تَسْمِيَةَ الانثى} فإنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون، {والملئكة} في معنى استغراق المفرد فيكون التقدير ليسمون كل واحد من {الملائكة تَسْمِيَةَ الانثى} أي يسمونه بنتًا لأنهم إذا قالوا ذلك فقد جعلوا كل واحد منهم بنتًا، فالكلام على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة، والإفراد لعدم اللبس، ولذا لم يقل تسمية الإناث فلا حاجة إلى تأويل الأنثى بالإناث ولا إلى كون المراد الطائفة الأنثى، وما ذكر أولًا قيل: مبني على أن تسمية الأنثى في النظم الجليل ليس نصبًا على التشبيه وإلا فلا حاجة إليه أيضًا، وفي تعليق التسمية بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترىء عليها إلا من لا يؤمن بها رأسًا، وقوله تعالى:


{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)}
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} حال من فاعل {يسمون} [النجم: 27] وضمير به للمذكور من التسمية وبهذا الاعتبار ذكر، أو باعتبار القول أي يسمونهم إناثًا، والحال أنهم لا علم لهم بما يقولون أصلًا، وقرأ أبيّ بها أي بالتسمية، أو بالملائكة {الله إِن يَتَّبِعُونَ} أي ما يتبعون في ذلك {إِلاَّ الظن} أي التوهم الباطل {وَإِنَّ الظن} أي جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار، وقيل: الإظهار ليستقل الكلام استقلال المثل.
{لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} من الإغناء فإن الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء وما هو عليه إنما يدرك إدراكًا معتدًا به إذا كان عن يقين لا عن ظن وتوهم فلا يعتدّ بالظن في شأن المعارف الحقيقية أعني المطالب الاعتقادية التي يلزم فيها الجزم ولو لم يكن عن دليل، وإنما يعتدّ به في العمليات وما يؤدى إليها.
وفسر بعضهم الحق بالله عز وجل لقوله سبحانه: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} [الحج: 6]، واستدل بالآية من لم يعتبر التقليد في الاعتقاديات وفيه بحث والظاهرية على إبطاله مطلقًا، وإبطال القياس ورده على أتم وجه في الأصول، وما أخرج ابن أبي حاتم عن أيوب قال: قال عمر بن الخطاب: احذروا هذا الرأي على الدّين فإنما كان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا لأن الله تعالى كان يريه وإنما هو منا تكلف وظن {وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} هو أحد أدلتهم على إبطال القياس أيضًا، وقد حكى الآمدي في الأحكام نحوه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: قال ابن عمر: اتهموا الرأي عن الدّين فإن الرأي منا تكلف وظن {وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} وأجاب عنه بأن غايته الدلالة على احتمال الخطأ فيه وليس فيه ما يدل على إبطاله، وأن المراد بقوله: {إَنَّ الظن} إلخ استعمال الظن في مواضع اليقين وليس المراد به إبطال الظن بدليل صحة العمل بظواهر الكتاب والسنة، ويقال نحو هذا في كلام عمر رضي الله تعالى عنه، وقد ذكر جملة من الآثار استدل بها المبطل على ما زعمه وردها كلها فمن أراد ذلك فليراجعه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12